يمكن أن تغير الاستادات التي ستستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم شكل القارة الإفريقية إلى الأبد أو أن تظل آثارا شاهدة على التبذير والأنفاق ببذخ في دولة لا تزال تعاني من اجل نشر ثمار حكم الأغلبية.
ودحضت جنوب إفريقيا أراء مشككين قالوا أن العمل في بناء الاستادات لن ينتهي على الإطلاق في الوقت المناسب لاستضافة البطولة المرتقبة في يونيو حزيران المقبل بعدما اقتربت من إكمال أعمال البناء في عشرة استادات على اعلي مستوى يمكن مقارنتها مع أفضل الاستادات على مستوى العالم.
ورغم انتهاء هذا الجدل لم يتراجع حجم النقاش بشأن مدى الحاجة لان يكون الإنفاق أكثر اعتدالا لتوفير الملايين من الدولارات لمساعدة جيش من الفقراء يعيش في حالة سيئة للغاية عقب نهاية حقبة الفصل العنصري.
وعندما نالت جنوب افريقيا في عام 2004 شرف استضافة كأس العالم 2010 حددت ميزانية بناء الاستادات بنحو ثلاثة مليارات راند (390 مليون دولار). وعقب اضافة استادين جديدين وبعض الزخارف المعمارية المبهرة قفز الرقم ليبلغ 13 مليار راند على الاقل (1.7 مليار دولار) في الوقت الحالي.
ويقول منتقدون ان هذه الاموال تم اهدارها وكان من الواجب انفاقها على التخفيف من حدة الفقر والذي يغذي المعدلات المرعبة للجريمة في جنوب افريقيا وبناء الملايين من المنازل الجديدة لتحل بديلا لمدن الاكواخ التي تعود الى حقبة الفصل العنصري والتصدي لاعداد الاصابات المتزايدة بمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز). ودفع المنتقدون بان الكثير من الاستادات ستصبح سريعا اثارا غير مستغلة عقب البطولة.
وقال الراحل دينيس بروتوس احد دعاة مناهضة التفرقة العنصرية في الفيلم الوثائقي الاخير فيهرنهايت 2010 "عندما تبني استادا ضخما فانك تقوم بتحويل الموارد التي توفرها لتشييده... بعيدا عن بناء المدارس والمستشفيات لتصبح هذه الابنية الضخمة معطلة بعدها.. تتحول هذه الابنية الى هياكل لا عائد منها."
وقال فرانس كرونجي نائب المدير التنفيذي لمعهد جنوب افريقيا للعلاقات العرقية لرويترز "هل سيكون من الممكن على سياسي من حزب المؤتمر الوطني الحاكم يزعم انه يمتلك تفويضا للتحدث باسم السود الفقراء في البلاد ان يذهب الى بعض هذه المناطق الفقيرة وان يبرر رؤية الحكومة في انفاق مليار راند او اكثر لبناء استاد.. لا يمكن ان يحدث ذلك."
لكن هناك من يقول إن كأس العالم تمنح افريقيا الفرصة اخيرا لتغيير الصور النمطية السائدة بشأن انتشار المجاعات والاوبئة والحروب والتي لا تزال توصم القارة بأكملها.
وقال ديزموند توتو كبير الاساقفة في جنوب أفريقيا الحاصل على جائزة نوبل للسلام واحد ابطال حملة مناهضة التمييز العنصري ان استضافة كأس العالم سيكون لها تأثير كبير على السود بشكل يماثل انتخاب الرئيس الامريكي باراك اوباما وسيمنح كبرياء جديدا لدولة لا تزال مقسمة.
واضاف "في ظل كافة الامور السلبية التي تحدث في افريقيا فان هذه تمثل لحظة رائعة بالنسبة لنا. حتى لو اقمنا ابنية بلا عائد اقتصادي..فليكن."
ويقول اقتصاديون ان الاعمال الانشائية الخاصة بكأس العالم خففت من اثار الازمة الاقتصادية العالمية على جنوب افريقيا وستسهم في ضخ ما يقرب من 56 مليار راند (7.3 مليار دولار) في شرايين الاقتصاد بالبلاد.
وقالت جيليان سوندرز من شركة المحاسبة جرانت ثورنتون "شكلت (اعمال البناء) تخفيفا كبيرا من اعباء جنوب افريقيا في مواجهة الازمة المالية."
وتمثل كرة القدم مصدرا لاشعال حماس الاغلبية السوداء في جنوب افريقيا.
وقالت اللجنة المحلية المنظمة لبطولة كأس العالم في تعليق لها هذا العام "في ظل حكومة الفصل العنصري عانت المنشأت الخاصة بكرة القدم في المناطق المحرومة من الاهمال وكان هناك نوع من الافتقار الكامل للاقرار باهمية الرياضة."
وقد ذهبت الاستادات المقامة حديثا وبكل تأكيد الى ابعد من الضروريات اللازمة لاستضافة مباراة في كرة القدم حتى ولو تابعها اكبر عدد من الجماهير على مستوى العالم عبر شاشات التلفزيون.
فبدءا من القطار المعلق فوق استاد ديربان على جانب المحيط وانتهاء بملعب كيب تاون الفخم الى اوراق الزهور البيضاء الضخمة التي تغطي ملعب بورت اليزابيث واستاد سوكر سيتي الضخم الذي يأخذ شكل ثمرة القرع في جوهانسبرج تبدو كافة الملاعب في غاية الروعة.
وحتى الملاعب الصغيرة في نيلسبرويت وبولوكواني فانها تتمتع بزخارف معمارية فريدة وفي ظل عدم وجود اي فرق كبيرة على صعيد الرجبي او كرة القدم تلعب هنا او في بورت اليزابيث فانه سيكون من الصعب دحض الاتهامات بان هذه الاستادات ستصبح ابنية لن تدر عائدا عقب اقامة عدد من مباريات كأس العالم عليها.
ومع ذلك فان طريقة البناء الرائعة لتلك الاستادات يمكن ان ينظر اليها باعتبارها وسيلة تتجاوز كرة القدم وتؤكد قدرات دولة ناشئة وديمقراطية على مواجهة حملات التشكيك والسخرية من الداخل والخارج.
وقال المعلق تينيكو سام مالوليكي "بالنسبة للكثير من الصبية الصغار الذين يركلون الكرة في شوارع المناطق والمعسكرات الفقيرة حول العالم فان كرة القدم هي عالم الاحلام."
واضاف في صحيفة ميل اند جارديان "لن احرم الملايين من الصبية في افريقيا وفي كافة انحاء العالم من فرصة متابعة نجومهم وهم يستعرضون مهاراتهم على الارض الافريقية. لن امنعهم من حالة الالهام. عام 2010 سيتجاوز مسألة الاموال والتعريفات المنهجية للتنمية."
وقال كرونجي ان كأس العالم لن تخرج جنوب افريقيا من حالة الفقر " ولكنها ستقوم بشيء آخر. ستضع كأس العالم القارة الافريقية مباشرة امام بقية العالم... ستتغير الانطباعات الخاصة بقارة افريقيا."
واضاف "لن يتغير حال اي شخص فقير يعيش في كوخ ليعيش في ظروف مختلفة عندما تنطلق صافرة النهاية... لكن من الممكن ان يحدث على المدى الطويل ان يعود الناس بذاكرتهم الى كأس العالم لكرة القدم ليقولوا انها كانت بمثابة حجر الزاوية للتغيير في القارة وتم النظر الى القارة عن طريقها."
وقال احد المسؤولين الرسميين في جنوب افريقيا عن تنظيم كأس العالم طلب عدم الكشف عن اسمه لرويترز "كرة القدم تعني الكثير بالنسبة للناس في بلادي. هي ليست دواء لكل العلل ولكنها رفعت من معنويات شعبنا وزادت من ايمانهم بأنفسهم."